Select Page

بسم الله الرحمن الرحيم

معنى الدعاء

بقلم: محمد أكرم الندوي

 

يدعو الجائع أن يطعمه الله تعالى فلا ينزل عليه طعام من السماء، ويدعو الأعزب أن يهبه الله ولدا فلا يظفر بمراده، وكذلك يدعو الداعي ويدعو فلا تتحقق أمانيه، فيظن أن الدعاء أوهن الوسائل، وأوهى الأسباب، وقد رأينا الكفار والمشركين يسخرون من الدعاء، وضعاف الإيمان يدخل قلوبهم الريب، وكثير من المسلمين لا يلجأون إلى الدعاء إلا عادة ورسمًا، وليس هناك إلا عدد قليل ممن يعلم معنى الدعاء فيدعو الله تعالى دعاء المؤمن بالله المتوكل عليه الملتجئ إليه. فما هو معنى الدعاء إذن؟

الجواب أن الله تعالى خلق الناس، فلم يجعلهم أغنياء، وإنما جعلهم فقراء إليه، ولم ينزل إليهم مطالبهم، بل أنزل أسبابا تؤدي إلى تلك المطالب

وإنما جعلهم فقراء إليه محبة لهم ورحمة بهم، فإنه لو لم يجعلهم فقراء لعتوا واستكبروا واستغنوا عن ربهم، ولا مضرة أكبر للخلق من الاستغناء عن ربهم، وأمرهم أن لا يعبدوا إلا إياه ولا يستعينوا إلا به محبة لهم ورحمة بهم، فكلما غفلوا عن ذلك جاءت حاجاتهم ذكرى لهم فانتبهوا وأخبتوا إليه وتابوا إليه عابدين له ومستعينين به، ويجيبهم، ويضع قضاء حوائجهم في الأرض في أسباب جعلها علامات لمطالبهم، وعلى المؤمن الصادق أن يعرف تلك الأسباب فيتبعها حسب أمر الله تعالى، والأسباب تختلف من إنسان إلى إنسان ومن حال إلى أخرى

فمثلاً ورد موسى عليه السلام مدين وليس له بها دار تؤويه، ولا قريب أو صديق يستضيفه، فتولى إلى ربه، وقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير، فأجابه الله، وجاءته إحدى المرأتين، وقالت له: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، واتبع موسى عليه السلام الأسباب، فظفر بكل ما افتقر إليه من المأوى، والزوج، والعمل، وأنزل الله إليه كل خير في صورة أسباب

وكذلك كل عبد إذا دعا الله أجابه، فإنه القائل: أجيب دعوة الداع إذا دعان، ومن آداب هذا الدعاء التضرع إلى الرب تعالى ملتجئا إليه مطيعًا أمره في المأكل والمشرب، فإذا دعا العبد ربه أجابه، ووجب على العبد أن ينظر في الأسباب المؤدية إلى مطالبه، فيتبعها متوكلا عليه تعالى، وقد تكثر الأسباب إلى المطالب وقد تقل، وقد ترفع الحجب كلها وتزال الأسباب إذا عجز العبد عن اتباع الأسباب

فالواجب عليك أيها العبد المؤمن أن لا تفوتك فرصة تلتجئ فيها إلى ربك، فإنه لم ينزل حاجة إلا ليقربك بها إليه، ولا شك أن الدعاء مخ العبادة، ويجد فيها العبد من الحلاوة ما لا يوصف

وأخي المؤمن: لا تستأخر الاستجابة ففي ذلك من العطاء الكثير الذي يعرفه العارفون، وإني لمن أضعف عباد الله تعالى إيمانا وعملا، وقد انكشف لي من معنى الدعاء ما لم يكن لي بحسبان، فما أكثر ما دعوته فجاءتني الإجابة أسرع مما ظننته قبل الدعاء، وقد تأخرت الإجابة، ومرة رفعت إليه ثلاث حاجات فتأخرت الإجابة فما زلت أدعوه حتى أجيبت الحاجات كلها بعد سنة، فانكشف لي أمر عظيم، وحصل لي سرور بما تحقق لي من فهم معاملته أكثر من قضاء حاجتي، ورأيت أن تأخير الإجابة كان في مصلحتي، ورأيت أن التأخير جعلني أدعوه سنة بكاملها، والدعاء عبادة، فحصل لي أجر دعاء سنة بكاملها، ورأيت أن التأخير في الإجابة لم يردني عن بابه، بل بقيت ملتجئا إليه، متوكلا عليه، راغبا إليه منصرفًا عن غيره، فازددت إيمانا به وتوكلا عليه، ولله الحمد