علة حديث: لا توتروا بثلاث
بقلم: د. محمد أكرم الندوي
تخريج الحديث:
روي الحديث على وجهين مرفوعا وموقوفا:
أخرجه مرفوعا الإمام الدارقطني رحمه الله في سننه، باب لا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب، قال: حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرنا سليمان بن بلال (ح) وحدثنا أبو بكر النيسابورى، حدثنا موهب بن يزيد بن خالد، حدثنا عبد الله بن وهب، حدثنى سليمان بن بلال عن صالح بن كيسان، عن عبد الله بن الفضل، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن وعبد الرحمن الأعرج، عن أبى هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا توتروا بثلاث أوتروا بخمس أو سبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب. واللفظ لموهب بن يزيد.
وأخرجه مرفوعا أيضًا الإمام أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في المستدرك، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا طاهر بن عمرو بن الربيع بن طارق، (ح) وأخبرنا أبو يحيى أحمد بن محمد السمرقندي، ثنا أبو عبد الله محمد بن نصر، ثنا طاهر بن عمرو بن الربيع بن طارق، ثنا أبي، ثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب، ولكن أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة ركعة أو أكثر من ذلك.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه.
وأخرجه موقوفا البيهقي في السنن الكبرى من طريق يحيى بن بكير قال: حدثني الليث، حدثني جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة قال: لا توتروا بثلاث.
وأخرجه موقوفا أيضًا الطحاوي في شرح معاني الآثار، قال: حدثنا فهد، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، حدثه، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، ولم يرفعه، قال: لا توتروا بثلاث ركعات تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة.
قلت: هذا الحديث معلول من عدة نواح:
الناحية الفنية:
قلت: اختلف فيه كما مر رفعا ووقفا، وفي بعض طرقه طاهر بن عمرو بن الربيع بن طارق، وهو مجهول الصفة، وخالفه عيسى بن حماد زغبة ويحيى بن بكير فأوقفاه، على اختلاف بينهما في شيخ الليث. فأخرجه صاحب جزء أحاديث يزيد بن أبي حبيب المصري من طريق عيسى بن حماد زغبة قال: أنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عراك، عن أبي هريرة، أنه قال: لا توتروا بثلاث كصلاة المغرب، وأوتروا بخمس أو بسبع أو بإحدى عشرة.
وقال ابن رجب في فتح الباري: وروي عن عراك، عن أبي هريرة، قال: لا توتروا بثلاث؛ تشبهوا بالمغرب ولكن أوتروا بخمس، أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة أو أكثر من ذلك. وروي عنه مرفوعا، خرجه الحاكم، وصححه، وفي رفعه نكارة.
الناحية المعنوية:
يعني الحديث في ظاهره أنه لا يجوز أن يشبه التطوع الفريضة، فالمغرب فريضة وهي ثلاث ركعات، والوتر تطوع، فلا يصح أن يكون ثلاث ركعات، وهذا معنى فاسد، فالفرق بين الفريضة والتطوع ليس إلا في النية، فحج الفريضة وحج التطوع لا فرق بينهما إلا في النية، وكذلك الصوم، والصدقة، والصلاة، وصلاة الفجر ركعتان، والتطوع فيها ركعتان، ولا تميز الفرض عن التطوع إلا النية.
قال الطحاوي في شرح معاني الآثار: … فإنا لم نجد شيئا من السنن إلا وله مثل في الفرض، من ذلك الصلاة منها تطوع، ومنها فرض، ومن ذلك الصدقات، لها أصل في الفرض، وهو الزكاة، ومن ذلك الصيام، وله أصل في الفرض، وهو صيام شهر رمضان وما أوجب الله عز وجل في الكفارات، ومن ذلك الحج، يتطوع به، وله أصل في الفرض، وهو حجة الإسلام، ومن ذلك العمرة، يتطوع بها، ووجوبها فيه اختلاف سنبينه في موضعه إن شاء الله تعالى، ومن ذلك العتاق، له أصل في الفرض، وهو ما فرض الله عز وجل في الكتاب من الكفارات والظهار، فكانت هذه الأشياء كلها يتطوع بها، ولها أصول في الفرض، فلم نر شيئا يتطوع به، إلا وله أصل في الفرض…
الناحية الفقهية:
أجمع فقهاء الأمصار على أن الوتر بثلاث جائز حسن، قال الترمذي في سننه: وقد ذهب قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى هذا، ورأوا أن يوتر الرجل بثلاث، قال سفيان: إن شئت أوترت بخمس، وإن شئت أوترت بثلاث، وإن شئت أوترت بركعة، قال سفيان: والذي أستحب أن أوتر بثلاث ركعات، وهو قول ابن المبارك وأهل الكوفة، حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن محمد بن سيرين قال: كانوا يوترون بخمس وبثلاث وبركعة ويرون كل ذلك حسنا.
وقال محمد بن نصر في قيام الليل: الأمر عندنا أن الوتر بواحدة وبثلاث وخمس وسبع وتسع، كل ذلك جائز حسن على ما روينا من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، انتهى .
الناحية التعاملية:
استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم إيتاره بالثلاث، وعن الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من العلماء وعامة المسلمين إلى يومنا هذا.
وقد عد ابن حزم في المحلى جميع أنواع الوتر التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: والثاني عشر: أن يصلي ثلاث ركعات يجلس في الثانية، ثم يقوم دون التسليم، ويأتي بالثالثة، ثم يجلس، ويتشهد كصلاة المغرب، وهو اختيار أبي حنيفة.
الخاتمة:
فثبت بما قدمنا أن الوتر بثلاث ثابت بالسنة كما أن الإيتار بالواحدة والخمس والسبع ثابت، أخرج الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، لا يسلم إلا في آخرهن، وأخرج النسائي ووغيره عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر، وبوب عليه النسائي بقوله: كيف الوتر بثلاث.
وأخرج الطحاوي عن أبي العالية قال: علمنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الوتر مثل صلاة المغرب، غير أن نقرأ في الثالثة، فهذا وتر الليل، وهذا وتر النهار.